قراءة في كتاب ( حكاية احمد ) للكاتب حسين محسن من وحي شهادة ولده احمد - مركز الأمة الواحدة
قراءة في كتاب ( حكاية احمد ) للكاتب حسين محسن من وحي شهادة ولده احمد

قراءة في كتاب ( حكاية احمد ) للكاتب حسين محسن من وحي شهادة ولده احمد

شارك المقال



بقلم
توفيق حسن علوي
كاتب وباحث من لبنان

حكاية احمد ) … مجموعة اقاصبص قصيرة مضامينها غزيرة لوالد شهيد وعى ابعاد المسيرة بأحداق البصيرة (

لقد استطاع ان يصنع حقلا مغناطيسيا في اعماق الوجد حيث انشدت اليه روابط الشغف وتكتلت خيوط المشاعر والتحمت حبيبات العواطف واحتشدت جماهير الاحاسيس ، واستحال كل ذلك حقيقة وجودية انفلتت من قيود المادة وانفتلت نحو المعنى حيث ازمعت رحلة والهية فسلكت السرادقات النورية الشعشعانية واستقرت في بساط الاحدية في دار ليس فيه غير المعشوق الاوحدي ديار .

لم يعش كاتب [ حكاية احمد ] التكلف في صنعته حيث انه لم يزركش ثوبه التعبيري بفصاحة سحبان بن وائل وبلاغة قس بن ساعدة ولم يطرق باب المعلقات السبع طلبا للوقوف على الاطلال ، ولم يستنجد بالمرصعات ، ولم يستغث بالبديع ، ولم يستسعف المحسنات الادبية و كل المصطلحات المبردة في ثلاجات المصادر الادبية والبلاغية ومراجعها .

ان والد الشهيد استطاع بعفوية اقاصيصه وحكاياه ان يجعلك تعيش الواقع كما هو ، فانت تسمع حكايته وكانك تجلس على شرفة منزلك وترى شابا من واقعك يفعل كل ما يفعله اي شاب ما عدا ان روحه مع الشهداء واسمه في السعداء .

لم ياخذك والد الشهيد الى الماضي البعيد لكي تضيع في جنباته وتتلهى في مسح غبار الزمان المركوم بعيدا عن جوهر المعنى ، ولم يسبقك الى اجيال اتية شتى لكي تهيم على وجهك امام التندرات والخيالات العلمية المنفهقة فتعيش كالمغترب في عالم المخيال العام ، وانما اتى بك وبكل عقلك واحاسيسك ومشاعرك الى جيل اولادك واولاد غيرك تكابد معهم شظف العيش وقدسية القضية .

فالاطفال الذين غدوا شبابا هم الاطفال في عام ٢٠٠٠ م ، والاماكن هي الاماكن ، والزمن هو الزمن ، والبيئة هي البيئة ، والاحداث هي الاحداث ، والتفاعلات هي التفاعلات ، والانماط هي الانماط ، وهذا سر نجاح هذه الاقاصيص .

ان حكايا واقاصيص والد الشهيد استطاعت ان تصيب الواقع بلغة واضحة خالية من كل التباس ، خالية من تنافر الحروف وغرابة الاستعمال ومخالفة القياس الصرفي ، وخالية من الكراهة في السمع او الثقل فيه ، وخالية ايضا من كثرة التكرار وتتابع الاضافات .

كما انه – والد الشهيد – لم يتكلف الجناس لا الجناس المادي ولا الجناس المعنوي ، ولم يتكلف والطباق ولا التصحيف ولا الازدواج او السجع والموازنة او المرصعات ، او المواربة والتورية والتسميط والطرد والعكس او التطريز ولم يقترب من السرقات الشعرية ولا الجمع مع التقيسم ولا الجمع مع التفريق ولا اي مفردة من مفردة الاسلوب الادبي بالمعنى المصطلح اللهم الا ما كان من الطبيعة غير المتكلفة وان عدت اسلوبا ادبيا على نحو الاتفاق لا العمد .

وبتقديري فإن ابناء جيلنا يقراون حكاية والد الشهيد بإقبال اكثر بكثير من مطالعة كتب الادباء لانها بلغة اهل الواقع وببساطة فهمهم وسهولة تعابيرهم وبنفس اساليب حياتهم واماكن سكناهم واحداث زمانهم .

لقد استطاعت اقاصيص وحكايا والد الشهيد إفهامنا قيمة الزمن الذي نعيشه في ظل ثلاثية المربي ( والد الشهيد ) ومتلقي التربية ( الشهيد ) ، ونفس العملية التربوية .

فان تعيش في زمن فيه عوائل شهداء يعيشون اجواء الموت بعناوين قداسة الشهادة والعزة والفخار ، ويقابلون خبر رحيل ثمار قلوبهم بعبارات : هنيئا . وبخ بخ ، فهذا يعني ان عملية الانتاج للعظماء لن تتوقف مع تقادم الايام والاعوام .

وان تعيش في زمن ينبري من بين الاجيال مثل هذه العناصر الشبابية التي تعتلي صهوة العمر ولا تترجل الا في عرس الشهادة ؛ فهذا يعني ان الوعي يتوقف عند محطة الشباب ولا يتخطاها كما يخطط الاعداء الذين حاولوا منع قطار الوعي من الوقوف عند محطة الشباب .

هنيئا لك يا حاج حسين محسن يا والد الشهيد بولدك الشهيد ، وهنيئا لك كتابك الذي هو بمثابة مولود معرفي جديد ، وهنيئا لنا بك وبكل من يتصل بك نسبا وسببا وبيئة .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق