السيدة فاطمة (ع) بين مسار الامتحان ومسار الصبر وابعاده الايجابية - مركز الأمة الواحدة
السيدة فاطمة (ع) بين مسار الامتحان ومسار الصبر وابعاده الايجابية

السيدة فاطمة (ع) بين مسار الامتحان ومسار الصبر وابعاده الايجابية

شارك المقال


بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


مدخل : عندما نبحث في القرآن الكريم عن خصائص المؤمنين نجد أن الصبر رأس الخصائص والسمات .

في محكم آياته اطلالة نورانية على ميدان الحياة  : موارد شرط طريق الجنة:  {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }البقرة، 118.

{والله يحب الصابرين}.( ال عمران 146 ) .وموارد للتعبيرعن الابتلاء الشديد والامتحان .

لفظ : { فامتحنوهن} {..امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ .. }. كما أن هناك تماثل ملفت ايضاً بين

 { إنا وجدنه صابراً..} والاخر {..ستجدني .. من الصابرين } وبين تعبير زيارة الزهراء عليها السلام ..( فوجدك لما امتحنك صابرة)

ثنائيات الصبر ورفع المقامات  تجلت بمصداق كامل في السيدة الزهراء منذ ولادتها وحتى انتقالها الى البارىء مظلومة شهيدة .

فسلام على أم أبيها ،وسلام عليها يوم أشرقت بنورها الازهر على دياجير العالم.

في أعتاب شهادتها عليها السلام وعلى ضوء القاعدة صبرٌ فوق كل صبرفإن صبرها عليها السلام يختزن كل المرارات التى صبر عليها رسول الله (صلى الله عليه وعلى اله وسلم لان عالم امتحان الزهراء ( عليها السلام ) كان امتحان سيد النبيين (صلى الله عليه وآله ) صبرها كتاب مكنون ، مفرداته علمٌ  لدني عظيم .

آفاق الامتحانات والبلاءات كثيرة ! فكيف نبشر أنفسنا بأنا طُهرنا بولايتها ان لم يكن سبب التلاقي دوام حضور الصبر في كل مسارات حياتنا  بجهاد النفس ومقوم الكدح والكبد فالصبر بُراق الاستقامة والتزكية.

ولكي نقترب من هذا الافق الفاطمي العظيم استعين بتمهيد بسيط حول :

 المحور الاول :

أ- تعريف الصبر 

ب- صراط الصبر

ت- شروط الصبر الايجابي .


المحور الثاني : الختام

تساؤل :

اين نحن من مسار الابتلاء والامتحان .

واين نحن من الزهراء ( عليها السلام ) .

 

المحور الاول :

أ- تعريف الصبر :

الصبر هو الصمود المستمر على الأشياء المؤلمة نفسياً وتحملها بروح عالية ونفس طيبة دون اظهار ملامح الاستياء.

يشتمل الصبر في الإسلام على عدّة أنواعٍ؛ فإمّا أن يكون الفرد صابراً على طاعة الله، أو صابراً على تَرك معصيته، أو صابراً على امتحان الله -تعالى-، وابتلائه له.

 

في علم النفس التطوري وفي علم الأعصاب المعرفي : عُرف الصبر على أنه اتخاذ القرارات تجاه المشكلة، التي تنطوي على اختيار إما مكافأة صغيرة في الأجل القصير، أو مكافأة أكثر قيمة على المدى الطويل.

لذا الصبر هو أهم صفة يمكن أن يمتلكها انسان لأنه أكثر سلاح فعالية لمواجهة المواقف غير المتوقعة في الحياة، واهم دافعية للصبر  ارتباط الحافز بالهدف ، ويكون التعزيز في الرضا الناتج عن النشاط التصبري ،وعن بلوغ الهدف ، وفي هذا النوع من الدافع تكون النشاطات التصبرية قوية الأثر.

 

ب- صراط الصبر

صراط الصبر هو الصراط المستقيم وهو الهداية التى نطلبها من الله تعالى في كل صلاة . ( اهدنا الصراط المستقيم ) .

اما صراط الصبر عند الزهراء ( عليها السلام ) فيتمثل بالايمان ، والتقوى ، والاحسان و بشهادة الشكر والحمد على البلاء ولا يغاير الشكر الصبر الا مغايرة العشق والحب . صراط صبرها جمال البلاء لأن فيه رضا الله ، وصبرها المحمدي كان امتحان لبقاء راية التوحيد خفاقة رغم العقبات وكان الدافع لتحقيق آمال الانبياء في سبيل الرسالة الخاتمة بظهور ابنها المهدي المنتظر عليها وعليه الصلاة والسلام .

وايسر الأدلة لصراط صبرها هو علمها بما يجري على ذريتها من بعدها.

القائدة الكونية وحجة الله على الائمة من ابنائها عليهم السلام ، كانت امثل من ابرزمفهوم الصبر على مدى التاريخ .


ت-شروط الصبر الايجابي

 

يقول المرجع الديني الشيخ وحيد الخراساني(قده )  " عندما نقرأ في زيارتها سلام الله عليها : "يا ممتحنة امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة"

فمعنى انَّه امتحن فاطمة (ع) من الأزل هو انَّه أهَّلها أي أودع فيها الملكات التي تُميِّزها دون سائر أقرانها، فتكون بذلك جديرة بالاصطفاء والاختيار.

 

فبين مظلوميتها من يوم وفاة والدها لاقت من أمته انواعاً من الظلم والأذى حتى أوصت بأن تدفن سراً لتكون فيصلاً بين الحق والباطل على مر العصور وتعاقب الدهور

وعلى الرغم من حزنها وشدة اساها لفقد والدها ، كان صبرها صبراً فاعلياً حراكياً ايجابياً شهدته الساحة الاسلامية . لم تزوِ في بيتها عندما لاحظت الانحراف في المسار الاسلامي ، فبادرت الى تقويمه بكل جهد واستثمرت كل وسيلة مشروعة ووظفتها لفضح زيف من اغتصب الخلافة ، فكانت ترفع لثام النفاق عن وجوهم بخطاباتها .

ولأن الزهراء عليها السلام نسخة من زهد ابيها صل الله عليه وعلى اله وسلم ، وهي التى كانت تكتفي وتقنع بقرص شعير وتبات ليلها افطار على الماء خرجت رغم ديمومة الحزن ،

وقفت ضد شعار السقيفة واعترضت اعتراضاً عملياً على نهجهم ( من كان يعبد محمداً فإن محمد مات ) تمهيداً لطمس ذكره وإماتة اسمه ، تحركت لمواجهة الظلم لأن لها دور تكليف الهي .

ومن  مظاهر فاعلية الصبر الايجابي :  "أن القوم عندما حضروا عند باب دارها مطالبين أمير المؤمنين (عليه السلام) بأن يبايع الخليفة الأول اقتربت من باب دارها ورفعت صوتها لِتُعلم المعتدي أن في البيت روح المصطفى التي بين جنبيه علَه يعود أدراجه حياءً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحفظاً لحرمته".

 

وعمق الصبر المعنوي والايجابي في المضمون بقوة البيان والدقة في التركيب كان في الخطبة الفدكية ، عنوان لموقف ومدخل للدفاع عن الحق الرئيسي وهو الامامة ورمز رفعة ال البيت عليهم السلام لتسليط الضوء على اصل مظلوميتهم.

عمق دورها بالبعد التبليغي العام والخاص والخاص الخاص هو تأهيل النخبة لايجاد العلم في الكيان بالشق المعرفي والعملي .

طالبة للحق  ورافضة للباطل من خلال  خطبتها في المسجد النبوي الشريف وما تضمنته من أدلة وبراهين وحجج دامغة لتثبت حق أميرها بالخلافة وحقها وحق بنيها بإرث أبيها (عليه وعليهم الصلاة والسلام أجمعين). وكلامها مع نساء المهاجرين والأنصار عندما عدنها في مرضها الذي استشهدت فيه. وإذا صح الحديث بأنّ الإمام علي (عليه السلام) كان يطوف بها على بيوت المهاجرين والأنصار أو جموعهم كما جاء في بعض الروايات. فكل هذا يعني أنها (عليها السلام) كانت صابرةً صبراً إيجابياً حركياً فاعلاً لا صبراً سلبياً خاملاً يتسم بالانطواء والاستسلام.

عبرتها لم تسكن الى يومنا هذا فهل نستسلم !!  ام ننهض لصون الدين من الانحراف وندافع عن الولاية ونحافظ على إمام زماننا (عليه السلام) بالصبر الايجابي الفاعل الحركي .


المحور الثاني : الختام

الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد وانوار الصبر تحت نيران البلاء والمحن ولا غرو في أن يكون الصبر هو القوة التى يتمكن الانسان من تجسيد معتقداته بصورة عملية.

جسد سلوك الانسان و روح محاسن اخلاقه واصول دينه اداءٌ للتكاليف ومن اهمها صيانة النداء الالهي وحفظ الاداء والتوحيد عبر مسار الامتحان والبلاء والصبر ، فلا يجب أن يفهم الصبر على أنه فقط تحمل للآلام والمصاعب وتجرع الاحزان، فبعض المفسرين يحرفون مفهوم الصبر الى معان سلبية على انه باب المرارة والتعاسة .

على حين أن الصبر كماقال عنه الامام الصادق ( عليه السلام) :"الصبر يُظهر ما في بواطن العباد من النور والصفاء ، والجزع يظهر ما في بواطنهم من الظلمة والوحشة ، والصبر يدّعيه كلّ أحد ، ولا يثبت عنده إلا المخبتون ، والجزع يُنكره كل أحد ، وهو أبين على المنافقين ، لأنّ نزول المحنة والمصيبة يخبر عن الصادق والكاذب."

 

وفِي الختام : اين نحن من صبرها وعظمة مكانتها عليها السلام،  لاننا نعجز عن وصف صبرها والاحاطة به وابسط مثال إسقاط الجنين .

ولكي نصل لاساس المقامات المعنوية علينا أن نعي حدود الولاية فالولاية حب يثمر اتباعاً واقتداءٌ وطاعة ، ولا يتحقق

 صدق الحب والاّتباع، والاقتداء والطاعة الا بالصبر وروح العمل فكلما تعاظم الصبر تعاظم العمل .

فإن لم نتدارك الامر ولم نقتدي  بهذه النماذج النيرة من بيت النبوة  ،فأننا  مهددين في دنيانا قبل آخرتنا ،لاسيما في ظل سيطرة التفكير المادي واضطراب القيم الانسانية.

والحمدالله رب العالمين

لينا وهبي

اخصائية نفسية ومرشدة تربوية

مدربة في الارشاد السلوكي والصعوبات التعليمية.



 

هناك تعليق واحد: