تخنقني الزفرات وتفصلها العبرات حين أقف على موسوعة الطفولة..حين أتحدث عن صبح بلا شمس، وليل بلا قمر، وبحر بلا ماء، وقارورة مغلقة بلا هواء.
ماذا عساني أقول؟
ومن أي حياة أبدأ؟
هل من سطح بيتنا المقبور بقرب وعاء مليء بالزهور؟
وماذا بوسعي إن وقفت؟
فأنا دائمًا أجدني أراقب وأحلق، ولاأرى إلا خطوات صمتي، تقترب من منابر اﻷحداث فأنصت وأصمت وأشرد ولا ترخيص للحديث، فالواقع حاكم شديد .
ومن بداية النهاية ونهاية البداية سأتذرع بالصبر، ليسعفني الحديث فأكمل، محاولةً أن أتنفس الصعداء من على ضريح وطني الموؤود مُنذ الوهلة الأولى للحرب .
سأهادن لظى الحرب وعبوات الرصاص لبضع لحظات ، سأعقد معها صفقة، متمنية أن لاتصفعني بغدر ذات يوم، وتقتلني خلسة إن سنحت لها فرصة ما كما فعلت صفقات القرون السابقة.
ومن البداية سأبدأ بزمنٍ سحيق، مر بباب طفل، فقمع مستقبله الواعد وحلمه المنشود، أعطاه الاسم، وسلب منه المعنى، أهداه ثقل يفوق كاهله النحيل ، وقدرته الواهنة، إذ رأيته من جلباب واقع مرئي غير مبني مرتدياً وشاح الصمت عبر سنين الحروب الماضية .
رأيته يمارس أعمالاً شاقة بملابس ممزقة، في شوارع قاسية البرودة وتضاريس فائقة الوعورة، بأحذية مثقوبة ، رأيته في صبحة المسجون يدندن بالطبول، وكالعادة يهم بعزف ألحان البقاء بأناشيد وأهازيج، عله بذلك يعالج فقر العيش وضنك البقاء.
رأيته يبتدع بسمة لأجل لقمة ناشفة مريرة في محلات بلا سقف ولاأفق، مُنتظراً من أشعة الشمس ، أن تُسدل سرابيل غروبها بعجلة لتغفو الضجة، حينها يُحصي نقوده بنشوة البهجة مع الحسرة واللوعة، متأملا منها أن تسعفه ليسد رمق أسرته من الفلق وحتى الغسق.
مدرسته اسمها الحرمان في معمورة مهجورة هدّها النسيان، بفصول مختلفة من أمراض وأوجاع وهي الهامة التي حصل منها على رتبة التشرد والضياع!! فشُرّد في الأزقة، وتاه في الطرقات، وهو يفتش عن رغيف يسكت به صوت معدته معدته الفارغة.
هو طفل يقطن في عالم افتراضي بات جلي، وموقع جغرافي ثري - شبه الجزيرة العربية - لكنه جُرِّد من حقوقه ، وغُيِّب من منظماته ، لم يمتلك سوى حق البقاء، وليته تنصل كالبقية، ولعل مظلوميته ستكون الخبر الآتي من خلف ستار نشرتنا اليومية : (( طفولة يمنية تنام على مجاعة وتصحو على حرب ))
هنا ستكمن فحوى القضية، وربما سيفهم العالم من كان الجلاد ومن وقع ضحية.
فإلى متى ياعالم الصمت إلى متى الأنين ؟
إلى متى ستطبق صمت الهوان/المُهين؟
إلى متى ستتألم الإنسانية وأنت هجين بنصف إنسان فأين السبيل ؟ أين السبيل ؟
#اتحادكاتباتاليمن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق