الثوار وقميص عثمان - مركز الأمة الواحدة
الثوار وقميص عثمان

الثوار وقميص عثمان

شارك المقال


ان الثورات في العالم قد تكون مبدئية او مطلبية او شعبية في البداية لكنها ومع مرور الوقت توظف او تحرف من قبل اصحاب المارب والمصالح , وتتحول الى اعمال عنف وتخريب حتى قيل: ان الثورات يرسمها المثاليون وينفذها الفدائيون ويرثها المرتزقة!! ترى لو كان المثاليون والفدائيون على قلب رجل واحد في الإيثار والتجدد أكان يبقى للمرتزقة موضع قدم؟ 

إن أخطاءا اواياد خفية،تعمل وراء الكواليس , نستخف بها عادة، هي التي تنتهي بذلك المصير!وتطيح بامال الجماهير وتقضي على اي امل جديد.

ان ماجرى من حراك شعبي في عهد الخليفة عثمان بن عفان لم يكن بعيدا عن هذا الرصد او هذه المعطيات بل انه يتناغم مع هذه الحقائق بشكل او باخر , فالثورة انذاك كانت مطلبية وشعبية بكل المقاييس وشارك فيها العديد من الصحابة , حيث رفع الثوار شعارات محاربة الفساد والمحاصصة والمحازبة , وهذه الشعارات كانت منطقية وواقعية ولكنها فتحت في نفس الوقت نوافذ ومشاريع جديدة للفتنة ودفع الامور باتجاهات اخرى غير ما اراده الثوار وغير ما اتفق عليه العقلاء.

مركز الامة الواحدة- مقالات - بقلم جهاد العيدان

ان الثورة على الخليفة عثمان اولا هي محصلة التوجهات السياسية والاقتصادية المتسارعة او المتسرعة للخليفة الثالث التي لم تكن مقبولة لدى جمهور الامة نظرا لكونها تشكل انقلابا على المتواضعات في المجتمع الاسلامي الفتي الذي مازال يحتفظ باصالته وحرارة نبضه ,فقرارات من قبيل اناطة المناصب الهرمية للحزب الاموي والاثراء غير المشروع لشخصه وجماعته ,واهانة صحابة الرسول(ص) لدرجة ابعاد الصحابي ابو ذر الغفاري وإهانته لعبادة بن الصامت وعزله عن الحياة العلمية في الشام , وكذلك ما فعله مع كبار الصحابة بالشام , كل هذه التوجهات الجديدة بدات تفرز تداعيات وردود افعال غاضبة لدى الطبقات الشعبية المستضعفة التي وحدها تدفع ضريبة الاحداث وهذه التوجهات مما افقدها الثقة بالطبقة الحاكمة واستفزها لدرجة الفوران وبالتالي جعل الوضع في الدولة الاسلامية معرضا لخطر الانفجار بسبب خطورة سياسة الاستبداد والاستهانة بمقدرات الامة , في وقت شعر الجميع بالخطر بما فيهم الحزب الاموي الذي كان امام احد حلّين ,احلاهما مرّ, اما التمسك بامينه العام ومعناه ان يتحمل المسؤولية بالمناصفة واما ان يتخلى عنه ويحصد ثمار دخوله مرحلة المعارضة ويكون طرفا في اللعبة السياسية القادمة , وهذا ما استقر الراي عليه من قبل قادة الحزب وبدعم من الحزب اليهودي الذي هو الاخر يتربص بالوضع الاسلامي ويساهم في نقل الاوضاع الى مراحل متقدمة  وكان الخيار الثاني هو الاقرب الى زعامات الحزب الاموي وعلى راسهم معاوية بن ابي سفيان وهذا ما فسر تلكأ معاوية في ارسال قوات لنجدة الخليفة وفك حصار الثوار عنه , والدخول على خط المعارضة بالتحريض عليه لدرجة ان بعض المقربين من عثمان كعبد الله بن أبي السرح اعترف بأن معاوية كان يهوى قتل عثمان.

الحزب الاموي كان يخطط للاجهاز على الحالة الاسلامية بكل رموزها ومسمياتها خاصة وانه يحظى بدعم الروم في ذلك الوقت وبدعم الحزب اليهودي مما يجعله يساهم في خلط الاوراق وتضبيب الحالة الاسلامية وتفعيل الصراع بين الشارع والخليفة خاصة وان عثمان ورغم مساوئه مازال يمثل رمزا معنويا صحابيا للامة , وهذا ما يرفضه البعد الخارجي الذي يتحرك على اساس التغيير الجوهري الشمولي في الحالة الاسلامية عبر الاطاحة برموزها والمجئ بقيادات شابة من الجيل الثاني والمتمثل بمعاوية بن ابي سفيان لكي يمسك بالاوضاع ويمارس مهمته باقتدار مطلوب , ومن هنا كان لزاما ان يتحرك الحزب الاموي على اساس سياسة الخطوة خطوة حيث اراد اولا الاطاحة بعثمان والمجئ بطلحة بن عبيد الله المدعوم معنويا واعلاميا من قبل عائشة التي كانت تحرض على قتل عثمان وتصفه باقذع الاوصاف , وتدعو الى خلافة ابن عمها طلحة التيمي , وهذا الامر تكرر بعد خلافة الامام علي حيث اضطرت للمشاركة في معركة الجمل شخصيا.

اما اختيار الحزب الاموي لطلحة فلانه شخص ضعيف سياسيا ومعنويا ويمكن لمعاوية القفز عليه بسهولة بعد طي صفحة الخلافة الاسلامية باعتبار ان طلحة سيمثل المرحلة الانتقالية التي يمكن من خلالها تنفيذ الاجندات الاساسية للحزب الاموي والوصول الى الحكم من الابواب الخلفية , كما ان قضية اغتيال عثمان تعتبر ورقة رابحة للحزب الاموي الذي استخدمها في مواجهة الاوضاع السائدة , ومنها تحقيق الاستقلال لبلاد الشام على ضوء عوامل الغبش والعنف والفتنة التي القت بظلالها على بلاد المسلمين , وهذا ماتحقق فعلا بعد وقت قصير من عملية الاغتيال للخليفة عثمان ,اضافة الى ابقاء ورقة قتل عثمان حاضرة في الارشيف السياسي لحكومة معاوية واستغلالها في مواجهة الاطراف الاخرى وتاليب الشارع عليها متى ماوجد فرصة او مناسبة لذلك , وهذا ماتم العمل به فعلا حتى اسقاط حكومتي علي بن ابي طالب والحسن بن علي (ع).

ان مصطلح قميص عثمان هو ترجمة حية لاحداث تلك المرحلة التي كان من الممكن ان تحقق اهداف الثوار لكنها تحولت الى حرب ناعمة بين المبدئيين وبين الوصوليين المدعومين بغريزة الدجل والخبث السياسي لتؤول الامور بالشكل الذي رست اليه ومازلنا حتى هذا الوقت نعيش تضاريسها وتداعياتها ومخاطرها.

ان انتهاء مرحلة الثورة بتلك النتائج الخطيرة دفعت معاوية للسكوت عن قتلة عثمان بعد وصوله إلى سدة الحكم، حتى أنه جابه عائشة بنت عثمان بما يفيد بأن عليها أن تسكت عن طلب قاتل ابيها، وأنه لن ينفذ ذلك, مما يؤكد طبيعة وحقيقة المخطط  الذي دفع الامور بتلك الحلقات الخطيرة للوصول الى حرف المسارات وحرق المراحل وقطف الثمار , فهل يتعظ الاخرون ؟؟؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق