السيد فادي السيد: شهادة الحق هي مقدمة للايمان والاخلال بها هو اخلال بالحق الالهي - مركز الأمة الواحدة
السيد فادي السيد: شهادة الحق هي مقدمة للايمان والاخلال بها هو اخلال بالحق الالهي

السيد فادي السيد: شهادة الحق هي مقدمة للايمان والاخلال بها هو اخلال بالحق الالهي

شارك المقال

 

اعتبر رئيس مركز الامة الواحدة للدراسات الفكرية والاستراتيجية  السيد فادي السيد ان كتمان الحق مع علم الانسان به نوع من تلبيس الحق بالباطل  وفق ما وردَ في قولِه تعالى: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) وخلال مشاركته في ندوة فكرية احياء لذكرى عيد الغدير الاغر قال سماحته ان شهادة الحق مقدمة للايمان الحقيقي لان درجةَ الايمانِ لا تُقاسُ بِكَثرَةِ الصلاةِ والصومِ وتِلاوةِ القرانِ

نص المحاضرة في الاسفل 

(وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)

الحقُ هو اسمٌ من أسماءِ اللهِ تعالى ، التي وصفَ بها نفسَه في قولِه عزّ وجل: (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ) [الحج:62]، وقد خلقَ اللهُ الناسَ وشرّعَ لهم حقوقاً، وعرَّفَهُم  ، كما حدَّ حدوداً لحمايتِها ورعايتِها، وسنَّ العقوباتِ الصارمةَ في حقِّ كلِ من اعتدى عليها. 

الحقُّ يُعرّفُ في اللغة بالأمرِ الثابتِ اللازمِ للفردِ والجماعة ، أمّا في الاصطلاحِ فهو مصلحةٌ مقرّرةٌ شرعاً ، وكلُ حقٍ في الإسلامِ يقابلُه واجبٌ ، فمثلاً التعلّمُ حقٌ للطفلِ وواجبٌ على الدولةِ ، فبهذا الامرِ يصبحُ الحقُ ثابتا ، ومحدّدا ، وواجبا.

والاسلامُ يَعتبرُ ان الحقَ اعم من الانسان ولايتعلقُ بجنسٍ او لونٍ او فئةٍ من الناسِ بل يتعلقُ بالبشريةِ جمعاء ، لإنّ المَساسَ به يُعدُ إخلالا بالحقِّ الإلهي فمن حقِ اللهِ على العبدِ ان يَعبُدَهُ ولا يشركَ به وأن يتّبعَ اوامرَه ويجتنبَ نواهيه. ومن حقِ العبادِ بعضُهم على بعضٍ قولُ الحقِ واداءُ الشهادةِ مهما كانت العواقبُ لكن في الواقعِ نجدُ ان ظاهرةَ كِتمانِ الحقِ مستشريةٌ في تاريخِ البشريةِ رغمَ الاوامرِ الالهيةِ التي تأمرُ بأداءِ شهادةِ الحق ، وتحذرُ من كِتمانِ الحقِ في آياتٍ كثيرةٍ لانها تؤدي إلى ضَياعِ الحقوقِ.

والقرآنُ الكريمُ اعتبرَ أن كِتمانَ الإنسانِ للحقِ مع علمِه بحقيقةِ الأمورِ ، فيه نوعٌ من تلبيسِ الحقِ بالباطلِ كما وردَ في قولِه تعالى: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)، «سورةُ البقرة: الآيةُ 42»، فالآيةُ بهذا الموردِ نَهَت اليهودَ عن تحريفِ الآياتِ في التوراةِ الشاهدةِ على ان رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه والِه خاتَمُ الانبياءِ ، فخَلَطَ اليهودُ الحقَ بالباطلِ ، ليشتروا بآياتِ اللهِ ثمنا قليلا.

وبذلكَ يُصبحُ كِتمانُ الشهادةِ التي يعرفُها الإنسانُ ، نوعا من الظلمِ وَفقا لقولِه تعالى: 

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، «سورةُ البقرة: الآية 140»، والشهادةُ بالقسطِ والعدلِ التي امرَ الله ُبها تتوجبُ حتى على نفسِ الانسانِ وتشملُ ايضا الاقاربَ مهما كانت درجتُهُم ، لأن شهادةَ الحقِ هي المقدَّمَةُ للايمانِ الحقيقي ، ولا تتعارضُ مع العقوقِ، فمن البرِ قولُ الحقِ ، قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)، «سورةُ النساء: الآية 135». 

ومما وردَ يَظهرُ بانَّ درجةَ الايمانِ ايها الاحبةُ لا تُقاسُ بِكَثرَةِ الصلاةِ والصومِ وتِلاوةِ القرانِ ولو كان كذلك لكان الخوارجُ اكثرَ الناسِ ايمانا باللهِ سبحانَه وتعالى وانما مِعيارُ الايمانِ هو قولُ الحقِ وأن يشهدَ ويعملَ الإنسانُ بالقسطِ والعدلِ وإن كانَ بين الرجلِ وأعدائِه ، فلا يجب أن يُغيرَ أو يتمَّ التكتمُ ، وإنما يُؤدى على وجهه، كما امرَ اللهُ سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، «سورة المائدة: الآية 8».وهذا ما اخبرَ عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالقول: «ألا أخبرُكم بخيرِ الشهداء؟ الذي يأتي بشهادتِه قبل أن يسألَها» لذلك عندما انقلبَ المسلمون على بيعةِ الامامِ عليٍّ عليه السلام سال الامامُ انس بن مالك الم تشهد في الغدير البيعةَ فاجابَ بالقولِ نسيتُ ذلكَ ليتهربَ من قولِ الحقيقةِ التي يعلمُها فدعا الامامُ عليه بان يُصيَبه برصٌ لا تخفيهِ العمامةُ وبعد فترةٍ من الزمنِ اُصيب  انس ببرصٍ عجزَ عن اخفائِه تحتَ العمامةِ فقالَ انس لقد اُصبتُ بالبرصِ بسببِ دعوةِ العبدِ الصالحِ.

وفي المقابلِ وجدنا اهميةَ موقفِ السيدةِ الزهراءِ في قولِ الحقِ عندما خرجَت الى الازقةِ لِتُحاجِجَ الناسَ وتذكرَهم بالبيعةِ لكن لاحياةَ لمن تنادي فاستحقوا لعنةَ اللهِ ورسولِه واهلِ بيتِه الطاهرين قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)، «سورة البقرة: الآية 159».

فالثَمَرَةُ من هذا البحثِ تُظهِرُ ان مُعضِلةَ المعضِلات التي يعاني منها العالمُ منذ ادمَ الى يومِ الدينِ هي كِتمانُ الشهادةِ  وهي المشكلةُ الاساسيةُ التي كان يعاني منها الائمةُ الاطهارُ عليهم السلام خلالَ الدعوةِ الى الاسلام. فعندما نجدُ العالَمَ اليومَ مقلوبا راسا على عَقِب جرّاءَ الازماتِ الماليةِ والاقتصاديةِ والحروبِ والاوبئةِ والامراضِ لاسيما فيروس كورونا الذي شلَّ العالمَ ...السببُ ايها الاحبةُ هو عدمُ الاستقامةِ والامتثالِ للاوامرِ الالهيةِ لذلك القرانُ الكريمُ عبّرَ عن ذلكَ بالقولِ ((وَأَن لَوِ استَقاموا عَلَى الطَّريقَةِ لَأَسقَيناهُم ماءً غَدَقًا﴿۱۶﴾) ﴿...وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾

ومن هنا ينبغي على العبدِ أن يعرفَ أنّ صلاحَه في الدنيا والآخرة يقومُ على أساسِ الطاعةِ المُطلَقةِ لله تعالى، والاعترافِ لهُ بهذا الحقِّ، وعدمِ الاستخفافِ بشيءٍ من أوامرِهِ ونواهيهِ ، وإلاّ سيكونُ من الخاسرين. وبالتالي فإنّه بدلاً من أن يجعلَ هذا الاختيارَ والحريّةَ المعطاةَ له نعمةً سيجعلُها نقمةً وحسرةً وخسارة.   

ونختم كلامَنا بما وردَ في الدعاءِ عن الإمامِ عليّ بن الحسين (عليهما السلام): "إلهي لم أعصِكَ حين عصيتُكَ وأنا بربوبيّتِك جاحدُ، ولا بأمرِك مستخفّ، ولا لعقوبتِك متعرّض، ولا لوعيدِك متهاون، ولكن خطيئةٌ عُرضت لي وسوّلت لي نفسي، وغلبني هواي، وأعانني عليها شقوتي، وغرّني سترُك المُرخى عليّ..".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق