الدور الإعلاميّ المتكامل للسيدة زينب عليها السلام - مركز الأمة الواحدة
الدور الإعلاميّ المتكامل للسيدة زينب عليها السلام

الدور الإعلاميّ المتكامل للسيدة زينب عليها السلام

شارك المقال

 


بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أفضل التحايا للمنظمين و المشاركين في هذه الندوة من العلماء الأفاضل والسيدات والسادة الأساتذة والباحثين والإعلاميين الكرام

نجتمع اليوم على ذكر زينب"ع" هذه السيدة المباركة التي تمثل القدوة الحسنة للإنسانية جمعاء .. ولأني أعمل في الميدان الإعلامي فلابدّ أن أتحدث عن الدور الإعلامي الذي لعبته السيدة زينب"ع" في واقعة الطف.

تمهيد:

  ولاسيما أننا في أجواء ذكرى الأربعين ونعيش تجديد العهد مع الإمام الحسين عليه السلام ونهضته المباركة، لا يفوتنا أن نستحضر ونستذكر السيّدة زينب(عليها السلام) وهي أحد أبرز أفراد الأُسرة العلويّة الهاشمية، والتي  كان لها الدور البارز في حفظ النهضة الحسينية وانتصارها إعلامياً، بالرغم من الهزيمة العسكرية الميدانية؛ وذلك من خلال حرصها على بيان دوافع ثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، ونشر مبادئ النهضة الحسينية، وغرس قيمها في النفوس بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، فكانت بحق صاحبة الدور الإعلامي البارز في إعلاء مبادئ الثورة الحسينية، وبيان زيف الحكم الأُموي، واغتصابه للسلطة الشرعية التي هي من حقّ أهل البيت(عليهم السلام).

المفهوم الإسلامي للإعلام ومدى ارتباطه بتبليغ الدعوة عموماً:

 وقبل أن نستعرض الدور الإعلامي الزينبي في مراحله المختلفة، لابُدّ لنا من أن نُطلّ على المفهوم الإسلامي للإعلام، والتعرّف على دوره ومدى تأثيره في مجالي الدّعوة والتبليغ.

فقد عرّف البعض الإعلام بأنّه:" فنّ إيصال الكلمة إلى عقول الناس، والميل بهم نحو أهداف معينة، ويتوقّف على هذا الإعلام الصلاح والفساد، والهدى والضلال، والحقّ والباطل، بحسب نوعية المعلومات التي يتمّ إرسالها"، هذا بالنسبة للإعلام عموماً.

وأمّا المفهوم الإسلامي للإعلام فيمكن أن نعرّفه كما عرفه إبراهيم إمام في كتابه (أُصول الإعلام الإسلامي) بأنّه: " تزويد النّاس بالأخبار الصحيحة، والمعلومات السليمة، والحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوين رأيٍ صائبٍ في واقعةٍ من الوقائع، أو مشكلةٍ من المشكلات، بحيث يُعبِّر هذا الرأي تعبيراً موضوعياً عن عقلية الجمهور واتجاهاته وميوله" كما أنّ الإعلام الإسلامي يُساهم في بناء وتوجيه المجتمع الإنسانيّ نحو الحقّ والاستقامة وإخراجه من الظلمات إلى النّور، وهذه هي رسالة الإعلام الإسلامي المتمثّلة في القرآن الكريم، حيث يُعدّ القرآن الكريم رسالة إعلامية شاملة، تتميّز بالصدق والأصالة والوضوح والثقة والواقعية، والقدرة على المواجهة والتحدّي، وعدم الضعف والهزيمة أمام التحديات، فقد انطلق منذ خطواته الأُولى يخاطب العقل الإنساني، ويثير فيه مكامن الوعي، وعناصر التحفيز، من أجل أن يصل إلى الموقف الأصوب في النظام والحياة والدولة، قال تعالى:{ إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}( الإسراء:9).

يتميّز الإعلام في القرآن بالهدفية؛ لأنّه ليس ترفاً كلامياً، بل هو رسالة تحمل في طياتها معطيات كبيرة، وغايات نبيلة، فهو كلام الله سبحانه وتعالى، وليس في كلام الله تعالى لغط أو لهو؛ ومن هنا كان الإعلام القرآني من خلال آيات كثيرة يتبنّى أهدافاً نبيلة يسعى لتحقيقها؛ وبالتالي فإنّ كلّ كلمة، وكلّ آية، وكلّ سورة من القرآن تُعدّ نداءً أو مناشدة أو دعوة إلى الرسالة المنزلة من السماء، وعلى هذا الأساس يُمكن للإعلام الإسلامي أن يُساهم في إرساء دعائم الدّعوة إلى دين الله ونشر تعاليم الإسلام الصّافية النّقية، إنفاذاً لأمر الله سبحانه وتعالى حيث قال:{ الّذين يُبلِّغون رسالات الله ولا يخشَونَ أحداً إلاّ الله وكفى بالله حسيباً} ( الأحزاب: 39).

الأدوار الإعلامية للسيدة زينب عليها السلام:

 وبعد هذه الجولة نصل إلى المواقف البطولية، والصور الملحمية الرائعة التي خلّفتها فينا السيدة زينب عليها، ونستعرض بعضاً من ملامح الدّور الإعلامي الذي ساهم في حفظ النّهضة الحسينية المباركة، وإيصال صوت الحسين(ع) والتأكيد على رساليّة النهضة الحسينية وطُهر أهدافها ونقاء مقاصدها ومراميها، بالرّغم من كلّ محاولات التعتيم والتشويه والتزوير.

ومن أهمّ ما يُمكن أن نسجّله من دورٍ إعلاميّ للسيدة زينب(ع) جملة من المواقف، وهي:

1-   موقفها(ع) من حمل النساء والعيال، حيث ردّت العقيلة زينب(سلام الله عليها) على عبد الله بن عباس، عندما راجع الإمام الحسين(عليه السلام) في مسألة حمل العيال معه في سفره الخطير هذا عندما سمعت نصيحة عبد الله بن عباس للإمام الحسين(عليه السلام) ـ بأن لا يأخذ النساء والعيال معه إلى العراق ـ اعترضت عليه باكية، وقالت: "يا بن عباس، تُشير على شيخنا وسيدنا أن يخلّفنا ها هنا ويمضي وحده؟! لا والله، بل نحيى معه، ونموت معه، وهل أبقى لنا الزمان غيره؟"

إنّ ردّ السيدة زينب(ع) هذا فيه إشارة واضحة إلى الاستنفار التام، والتسليم الكامل لأمر الله تعالى، كما أنّ فيه إعلانّ وإعلام بأنّ شأن النساء ودورهنّ في نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) لا يقلّ أهميّة وخطورة عن دور الرجال؛ وفيه تأكيدٌ على دور المرأة وشراكتها للرّجل في الدّعوة إلى الإصلاح والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وذلك انطلاقاً من قول الله تعالى:{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ( التوبة:71)، وأنّ التّخلّف عن الرّكب سمة المنافقين، قال تعالى:{ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} ( التوبة: 67).

وهذا الأسلوب يعتبر من أهم الأساليب الإعلامية التي تعتمدها حتى الدول عندما تكون في حالة تحضير لاتخاذ موقف معين أو حتى الدخول في الحروب لما يحتويه هذا الأسلوب من تشخيص للحالة وتبرير للقرار أو الموقف المتخذ المطلوب تسويقه إعلامياً وإقناع الشعوب به.

2-   موقفها في كربلاء وقبل انطلاق المعركة، وفي اللحظات الحرجة، مرّ الإمام الحسين(ع) بخيمة اخته العقيلة(ع) وجلس يحادثها ويوصيها بوصاياه، فقالت له:" أخي هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم؟ فإنّي أخشى أن يُسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنّة". فبكى (ع) وقال :" أمّا والله لقد نهرتهم وبلوتهم وليس فيهم إلاّ الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنيّة دوني استئنلس الطّفل بلبن أمّه".

إنّ في هذا الموقف إعلاناً منها لأصحاب أخيها، ودعوةً لهم ليكونوا المُخلصين الأوفياء، والمُضحّين في سبيل الدّعوة إلى الحقّ ونُصرة الرّسالة، وفي الآن نفسه هي دعوةٌ لنا عندما نعيش مثل هذه التّحدّيات، أن نختبر نوايانا ونتأكّد من صدقها ومدى ثباتنا في الموقف الحقّ. وهو نوع من أنواع التحفيز الإعلامي الذي نحتاج إلى امتلاك أسسه في وسائلنا الإعلامية لنتمكن من توجيه الجمهور من خلال تحريضهم ودفعهم لمراجعة حقيقة نواياهم ومدى إيمانهم بمعتقداتهم وقدرتهم على الثبات عليها.

3-   ومن المواقف الإعلامية ما ينقله ابن طاووس في اللهوف: «... قال: فو الله، لا أنسى زينب بنت علي(عليه السلام) تندب الحسين(عليه السلام)، وتنادي بصوت حزين، وقلب كئيب: يا محمداه، صلّى عليك مليك السماء، هذا حسين مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، وبناتك سبايا، إلى الله المشتكى، وإلى محمد المصطفى، وإلى علي المرتضـى، وإلى فاطمة الزهراء، وإلى حمزة سيد الشهداء. يا محمداه، هذا حسين بالعراء، تسفي عليه ريح الصبا، قتيل أولاد البغايا، وا حزناه، وا كرباه! اليوم مات جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله)، يا أصحاب محمداه، هؤلاء ذرّية المصطفى يُساقون سوق السبايا... "

فإنّ السيدة زينب(ع) أرادت بهذا الخطاب أن تٌثير نفوس المتلقين، وتقرع أذهان السامعين وتوقظ الضمائر النائمة، وتبعث الغيرة والحمية في المتخاذلين و الخانعين،، وتُذكّر القتلة، وتبعث برسالة إلى الأجيال القادمة بأنّ الضحايا هم سبط رسول الله(ص) وأهل بيته وذريته. وهنا أيضاً يمكننا أن نلمح أحد الأساليب التي تُستخدم في الإعلام الحربي المقاوم الذي يعمد من خلال وسائله وإعلامييه إلى عرض حجم العمل الإجرامي الذي قامه به العدو وإيضاً يعمد إلى بيان قيمة الضحية وأهميتها لإظهار صورة الحدث بشكل واضح ليتأثر به الجمهور ويبني عليه موقفه من المعتدي وليتحمل مسؤولية التخاذل والتقاعس عن نصرة أهل الحق المظلومين. فإيصال الصورة ونقل الحقيقة لا يكون فقط في إبراز صورة الصمود والقوة وإنما قد نحتاج بعض الأحيان للصور الدرامية إن صح التعبير للتأثير وتأليب الجمهور على الظالمين المتحكمين في هذا الجمهور في كثير من الأحيان.

4-    وفي موقفها في الكوفة، أيضاً مثال لهذا الأسلوب الإعلامي  عندما اجتمع عليهم أهل الكوفة وهم يبكون وينتحبون، فوقفت بين الجموع وقالت مخاطبةً أهل الكوفة:" أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ يَا أَهْلَ الْخَتْلِ وَالْغَدْرِ وَالْخَذْلِ أَلَا فَلَا رَقَأَتِ الْعَبْرَةُ وَلَا هَدَأَتِ الزَّفْرَةُ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي‏ نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ.‏ أَلَا بِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَفِي الْعَذَابِ أَنْتُمْ خَالِدُونَ.

5-   وموقفها الأبرز في مجلس يزيد في الشام، حيث أرادت أن تُحطّم كبرياءه وتُفسد عليه فرحته بنصره المزعوم، وتؤكّد على حقانيّة النهضة الحسينية واستمرارية الرسالة النّبوية التي حمله الحسين(ع)، فكانت خطبتها المشهورة، حيث جاء فيها:"..... ولئن جرّت علي الدواهي مخاطبتك، اني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى.

ألا فالعجب كل العجب، لقتل حزب الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء"

إلى أن قالت:

"فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، وهل رأيك الا فند وايامك الا عدد، وجمعك الا بدد، يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين.

إني أرى أن الملامح الإعلامية الأهم قد سطرتها السيدة زينب عليها السلام منذ دخولها أرض الشام وملاقاتها أهل هذه المناطق الذي كانوا تحت وطأة التأثير الإعلامي الأموي كان دور السيدة زينب ومعها الإمام زين العابدين في تلك المرحلة وتلك البقعة الاستفادة من الظرف المأساوي وقلبه لمصلحة القضية و العمل على قلب الصورة وكشف التضليل الإعلامي الذي تتعرض له الأمة وإظهار الوجه الحقيقي لهذه المعركة وحقيقة أطرافها وهي المهمة الأصعب في العمل الإعلامي لأنك في مثل هذه الحالات تحتاج لاستنفار كل قواك وطاقاتك الفكرية والعاطفية وحتى الدرامية لتستطيع إثبات حقك وصوابية موقفك وكشف كذب العدو وبث الثقة والقوة في الجمهور ليتمكن من التخلص السيطرة الفكرية التي موُرست عليه ربما لعقود من الزمن وهذه مهمة صعبة جداً قامت بها السيدة زينب"ع" رغم أنها تعلم أن النتائج لن تكون في ذلك الوقت كما تريد ولكنها كانت تعمل لتحصل على النتائج على مدى الزمن فالرسالة المحمدية ليست محصورةً بزمان أو مكان ولازلنا حتى اليوم ننتظر أن تؤتي هذه الرسالة أُكلها وأن يفهم العالم حقيقتها ويبصر ملامحها الإنسانية والفكرية والعلمية المميزة والشاملة.

كيف يمكن أن نستفيد كإعلاميات من مدرسة السيدة زينب(ع):

وهذا الجهد الكبير والتضحيات الجِسام التي قامت بها السيدة زينب عليها السلام وكلّ المُخلصين من علماء ومؤرخين وخطباء، ممّن ساهموا في إيصال نهضة الحسين عليه السلام إلينا، يُحتّم علينا، أن ندرس هذه النهضة المباركة، ونعمل على تنقيتها وتصفيتها من كلّ الغبار الذي علِق عليها من خلال الدسّ والتلفيق والغلّو والمبالغة، لنُعيد إليها طُهرها وصفائها، وقوة منطقها، ونعمل بكلً ما أوتينا من جهدٍ وقوة لنشرها وإبلاغها للعالم أجمع، وليس هذا فحسب، بل نسعى للعمل على تأكيد قيم ومفاهيم عاشوراء ونهضة الحسين عليه السلام من خلال التزامنا بها فكراً وقولاً وعملاً ودعوة النّاس جميعاً لذلك.

بهذه الرّوح وبهذا الوعي نُساهم في حفظ النهضة الحسينية المباركة وحفظ أمتنا والمجتمع الإنساني في كلّ بقاع العالم، ونعود كما وصفنا الله سبحانه وتعالى:{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ}(آل عمران:110)

جعلنا الله وإياكم من المؤمنين الملتزمين بنهج الحسين "ع" لنكون بحق إعلاميين رساليين نستحق أن نكون في هذه المواقع وأن يكون لعمل أثر وبصمات خير وان ينمو الإعلام الإسلامي على أيدينا لأن ما كان لله ينمو.

أشكر الله أن وفقني لأن أكون بينكم والشكر موصول للقائمين على تنظيم هذه الندوة

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


 


 


 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق