المطران انطونيوس: الإمام موسى الصدر شكّل ثورة دينية وإنسانيّة بامتياز - مركز الأمة الواحدة
المطران انطونيوس: الإمام موسى الصدر شكّل ثورة دينية وإنسانيّة بامتياز

المطران انطونيوس: الإمام موسى الصدر شكّل ثورة دينية وإنسانيّة بامتياز

شارك المقال




اكد المطران أنطونيوس (الصوري) متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس) ان جوهر فكر الامام موسى الصدر وعمله كان مرتبطًا بالقضيّة الفلسطينيّة والقدس الشريف من خلال مشاركته أوجاع الشعب الفلسطيني وفي جهاده سعيا لاسترجاع حقوقه المغصوبة.

وخلال كلمته بعنوان"القدس الشريف في فكر الامام المغيب السيد موسى الصدر" التي القاها في الندوة الفكرية عبر العالم الافتراضي الذي دعا اليها مركز حوار الاديان والثقافات في لبنان بالتعاون مع مركز الامة الواحدة للدراسات الفكرية والاستراتيجية في ايران تخليدا للذكرى السنوية 42 لتغييب الإمام الصدر بعنوان "الامام الصدر رسول التسامح والتعايش"اعتبر أنّ تهويد القدس هو إنكار للرسالة المسيحية وتعارض مع الإسلام في أعماقه واضاف ان القدس ترمز الى تلاقي الاسلام مع الاديان الاخرى وتفاعل الدين مع الثقافات والحضارات.


نص الكلمة


فلسطين الضحية في نظرة الإمام الصدر

(كلمة للمطران أنطونيوس (الصوري)

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس)

السبت في 05 ايلول 2020

أصحاب الفضيلة والسماحة، قدس الأب الموقّر، السادة العلماء، السيدة الدكتورة ليندا طبوش، الأخوات والاخوة المشاركين في هذا اللقاء والمتابعين له،

تحية وسلام بالله لجميع المشاركين في هذا اللقاء حول فكر العلامة الكبير سماحة الامام المغيب موسى الصدر في الذكرى الثانية والأربعين لتغييبه،

بداية، أشكر جميع الذين نظموا هذا اللقاء، الندوة الافتراضية حول موضوع:

"القدس الشريف في فكر الامام المغيب السيد موسى الصدر".

والشكر موصول للمنتدين على ما سيقدمونه من كلمات ودراسات تغني هذه الندوة.

الموضوع الذي اخترت التحدّث فيه، من ضمن المحاور المطروحة في الندوة، هو "فلسطين الضحية في نظرة الإمام الصدر".

* * *

مقدّمة

شكّل الإمام موسى الصدر ثورة دينية وإنسانيّة بامتياز، إذ ارتبطت عنده الدعوة الإيمانيّة بالعمل الديني والمحاضرات والندوات والاجتماعات والزيارات، بالإضافة إلى الاهتمام بشؤون المجتمع. وتحرّك في مختلف القرى من جبل عامل إلى منطقة بعلبك-الهرمل، يعيش حياة سكانها ومعاناتهم من التخلف والحرمان، فإلى باقي المناطق اللبنانية، متعرفًا على أحوالها ومحاضرًا فيها ومنشئًا علاقات مع الناس من مختلف فئات المجتمع اللبناني وطوائفه، وداعيًا إلى نبذ التفرقة الطائفية باعتبار أن وظيفة الدين هي الاستقامة الاخلاقية و"أن الأديان واحدة في البدء والهدف والمصير" وداعيًا أيضًا إلى نبذ المشاعر العنصرية وإلى تفاعل الحضارات الإنسانية وإلى مكافحة الآفات الاجتماعية والفساد والالحاد. وقد نجح في القضاء على التسوّل والتشرّد في عدة أماكن، وفي شدّ أواصر الأخوة بين المواطنين من مختلف الطوائف وعمل في هذه المجالات مع الكثيرين من المسيحيين المسلمين. ومع كلّ هذه الأبواب التي كان يفتحها إلّا أنّ جوهر فكره وعمله كان مرتبطًا بالقضيّة الفلسطينيّة والقدس الشريف، ولم يكن شيء مما يصنعه ويفكّر به منفصلًا عن هذه القضيّة.

1. محورية القضية الفلسطينية بالنسبة للإمام الصدر

لا شكّ أن اعمال، الامام المغيب السيد موسى الصدر، كثيرة في عددها وكبيرة في مضامينها وليس هنا المجال للحديث عنها. لكن، ما يهمنا الإشارة إليه هو أنّه في فكر الإمام الصدر كانت فلسطين المحتلة والقدس هاجسه الدائم والمتواصل. لم يكن بالأمر العادي، أنّه عندما أنشأ أفواج المقاومة اللبنانية (أمل)، وفي السياسة اللبنانية، حينها، أن يتضمّن ميثاق حركة المحرومين أمل يوم تأسيسها في بنده السادس قولًا يعتبر «فلسطين الأرض المقدّسة التي تعرّضت ولم تزل لجميع أنواع الظلم هي في صلب حركتنا وعقلها، وأنّ السعي لتحريرها أول واجباتنا، وأنّ الوقوف إلى جانب شعبها وصيانة مقاومتها والتلاحم معها شرف الحركة وإيمانها، لا سيّما أنّ الصهيونية تشكّل الخطر العلني والمستقبلي على لبنان والقيم التي نؤمن بها، وعلى الإنسانية جمعاء، وأنها ترى في لبنان تعايش الطوائف فيه تحدياً دائماً لها ومنافساً قوياً لكيانها». نفهم من هذا أن قضية المحرومين في لبنان وفلسطين واحدة والمسؤولية تجاه هاتين القضيتين، بالنسبة إليه، واحدة. لذلك، لم تكن فلسطين حاضرة في عقل الإمام الصدر وأوجاعه وفكره فحسب، بل كانت حاضرة أيضاً في ممارسته العملية إذ كان يشارك الشعب الفلسطيني أوجاعه وفي جهاد سعيه لاسترجاع حقوقه المغصوبة.

2. ألم القضية الفلسطينيّة ونتائجه في نهج الأمام الصدر

إنّ فلسطين التي وقعت ضحية مخططات الأمم المستحكمة بالعالم لم تكن سبب حسرة للإمام موسى الصدر، بل كانت دافعًا وسببًا جوهريًّا لمزيد من العمل على بناء مجتمعات تنتهج الحياة مقاومةً للظلم وتحمل هاجس القضية الفلسطينية، إذ اعتبر، كما قال الكاتب حسن قبلان في مقال له في آذار 2012 "أنّ قضية فلسطين، ومع التسليم بأنّ شعبها هو رأس الحربة في مسيرة تحريرها، هي قضية كلّ فرد وإنسان عربي ومسلم وحرّ...".

وقد سعى السيد موسى الصدر إلى حمل هاجس القضية الفلسطينيّة ووجع أبنائها إلى كلّ أنحاء العالم، ليكشف الظلم والجور والحرمان الذي يتعرض له هذا الشعب، ويُظهر الحقّ في هذه القضية، ويدحض الباطل حولها. وقد جال، لذلك، في العالم العربي وخارجه. ففي مؤتمر عقده سماحة الإمام في مكتب الجامعة العربية في بون - المانيا الاتحادية في 10/8/1970 أثار جملة عناوين تشكل خطاباً متكاملاً يفهمه الغرب ويرتاح اليه العرب والمسلمون. ومن أهم هذه العناوين:

- أنّ انتزاع الشعب الفلسطيني من أرضه وطرده إلى خارجها تمّ تنفيذه بواسطة الإرهاب الوحشي الصهيوني والمذابح؛

- أنّ انتظار الشعب الفلسطيني المشرّد عشرين سنة (في سنة 1970) لم يحمل له إنصافًا من أحد في العالم؛

- اضطرار الشعب الفلسطيني المشرّد للتضحية بجيل كامل كثمن لعودته إلى أرضه، دون أن يكون لهذا الثمن مقابل؛

- أنّ تهويد القدس هو إنكار للرسالة المسيحية وتعارض مع الإسلام في أعماقه؛

- انّ وجود لبنان كدولة يتعايش فيها أبناء مذاهب مختلفة وعناصر متنوّعة، ضمن نظام ديمقراطي مسالم لا يروق لدولة تقوم على أساس عنصري ومذهبي، لأنّ هذا يعطي عرب فلسطين الحقّ بأن يطالبوا بأرضهم ووطنهم، كأي شعب آخر، وهذا الحق لا يمكن إلا ان يكون شاملاً وكاملاً"؛

- انّ سيطرةَ الصهاينة على القدس وتهويدَها إنكار للرسالة المسيحية التي علّمت الناس أنّهم إخوة متحابون"؛

- "انّ تنفيذ وعد الله ونبوءات رسله (أي ما يعتقد به اليهود من نبوءات حول حدود مملكة إسرائيل بحسب العهد القديم) بالسلاح والقنابل والنيبالم في أواخر القرن العشرين، تشويه لصفات الله، وإهانة لليهود والمسيحيين والمسلمين، وظلم للعرب والفلسطينيين المسيحيين والمسلمين"؛

- "انّ الاضطهاد والتشريد اللَّذَين يمارسهما رجال ’إسرائيل‘ ضدّ العرب ليس علاجاً للاضطهاد والتشريد اللَّذَين عانوهما خارج العالم العربي".

- "أما من الناحية الإسلامية فالقدس ترمز الى تلاقي الإسلام مع الأديان الأخرى، وتفاعل الدين مع الثقافات والحضارات".

هكذا حمل الإمام الصدر جرح فلسطين في قلبه وكيانه أنّى ذهب وتحرّك وفي كلّ ما قال وفعل، مخاطبًا العقول وضاربًا على أوتار حقوق الإنسان ومحرِّكًا قلوب أصحاب الإيمان وقاطعًا الطريق على كلّ تسويف للقضيّة الفلسطينيّة بشعاره الشهير أنّ "التعامل مع إسرائيل حرام". وقد كان ايمانه بالقضية الفلسطينية من منطلق انتمائه الى الهوية العربية، ولذلك، عمل، في كل حياته، على خطّ تمتين أواصر العلاقة بين الدول العربية ناسجا علاقات تؤسس لوحدة على الأقل في القراءة الواقعية وتحديد البوصلة باتجاه فلسطين.

3. تلاقي موقف الإمام الصدر تجاه فلسطين والقدس مع مواقف المسيحيين المشرقيين

ظُلِمت فلسطين من الأمم المتحدة التي نشأت لإقامة السلام بين الأمم، وقد اتفق أقوياء العالم حينذاك (الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي)، رغم حربهما الباردة واختلافاتهما الكثيرة، على ظلم الشعب الفلسطيني وتشريده واغتصاب أرضه.

بعد صدور قرار تقسيم فلسطين وإنشاء إسرائيل في 29 تشرين الثاني 1947، انتفض المفكر اللبناني ميشال شيحا ليقول بأنّ قرار إنشاء إسرائيل هو جريمة ضدّ الطبيعة، ضدّ الأخلاق والتاريخ والجغرافيا والديموغرافيا، وأنّ الصيغة التوافقية والتفاعلية الحضارية اللبنانية هي النقيض للصيغة العنصرية الإسرائيلية، لذا هي في خطر جسيم. ونبّه إلى الخطر الكبير الناجم عن أنّ إسرائيل هي "سوبّر دولة" تدعمها قوى عالمية كبرى، ولا يمكن أن تكون إلاّ دولة توسّعية، وإن نموّها سيتمّ على حساب جيرانها. 

وفي آب 1949، أرسل شارل مالك تقريراً إلى الدولة اللبنانية يطلِعها فيه على الوضع الراهن، ويستشرف مستقبل العالم العربي، فيعتبر أن المرحلة بعد إعلان دولة إسرائيل "هي فترة انتقال مؤقّتة، تطول أو تقصر بحسب ردّ الفعل العربي في الدرجة الأولى، وتطوّر الوضع الدولي في الدرجة الثانية"؛ ويحذّر بأن هذه المرحلة "هي خاتمة للمرحلة التمهيدية السابقة من مراحل الحركة الصهيونية، التي انتهت بنشوء دولة اسرائيل، وتوطئة للمرحلة التكميلية التالية التي تهدف الى استعمار واستعباد العالم العربي".

لا شكّ أنّ الموقف المسيحي المبدئي من القضية الفلسطينيّة، ينطلق من أنّ الصهيونية هي ضدّ المسيحية قبل أن تكون ضدّ الإسلام، وأن وجود إسرائيل بأحاديتها هو خطر على الكيان اللبناني التعدّدي. ومن هنا، فإنّ الموقف المسيحي المشرقي على حقيقته مبنيّ على ضرورة إيجاد حل عادل ومنصف للقضية الفلسطينية يستند الى المعايير الحقوقية والإنسانيّة. فالظلم سيولّد ظلماً، واغتصاب الحقوق لن يُسكت عنه مهما طال الزمن. من هنا، أهمّ نقاط الحلّ يجب أن تتضمّن:

- إزالة الاحتلال من فلسطين، إذ لن يكون في منطقتنا سلام أو  استقرار أو أمن بدون منح الشعب الفلسطيني حقوقه الثابتة والمشروعة في دولته المستقلّة وعاصمتها القدس؛

- حقّ العودة للاّجئين الفلسطينين، ورفض جميع المشاريع التوطينية التي تحاول إسرائيل تمريرها لإهدار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؛

- إن العدل هو طريق السلام، والسلام العادل والشامل هو الطريق الحقيقي للأمن المطلوب.

خاتمة

"القدس لنا‛ ليست فقط شعارًا لمدينة هي صميم العالم. هذه الصرخة هي تَجَنُّدٌ لكلّ قضية عدل، ولكنّها اليوم محكّ الصدق للمتحدّثين بالعدل. أيّ سلام هذا الذي ليس فيه حقّ الحياة للشعوب كلّها؟ هل يُحمل السلام على دبابة أم يتوب الطاغية عن طغيانه؟"، هذا ما يقوله المطران جورج (خضر)، متروبوليت أبرشيّة جبل لبنان السابق، وهذا موقف يحاكي مواقف الإمام الصدر في وضوحه وصراحته من القضية الفلسطينيّة. فلسطين هي شعبها وليست الحجر، "إن المدينة المقدّسة أقدس شيء فيها حقّ سكّانها عليها. فالإنسان دائماً خيرٌ من المكان مهما عَظُمَ وسَمَا. ولهذا، يبدو لي تدويل القدس موقفاً فاسداً من أساسه، لأنه مشتق من قدسية الآثار، ومُحَجِّر لهذه القدسيّة على حساب حقّ الناس وتالياً حقّ الله..."، هذا ما عبّر عنه المتروبوليت خضر، وهو ينسجم مع موقف الإمام المغيّب الَّذي يقول: "عندما يتنازل الانسان المسلم أو المسيحي عن القدس فهو يتنازل عن دينه".

بالنسبة للإمام موسى الصدر، قضية فلسطين جرح حياته الذي كان يرافقه ألمه في كلّ حين ويدفعه إلى أمداء لم يسلك فيها أحد قبله، لأنّ فلسطين بالنسبة إليه قضية المظلومين والمحرومين في العالم، وقضية حقّ الله في إنصاف الضعفاء والمتروكين، لهذا  قال عام 1978: "إن العودة الى فلسطين صلاتنا، وإيماننا، ودعاؤنا، ونتحمل في سبيلها ما نتحمل، ونتقرّب الى الله في سبيلها". 

والسلام!...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق